-->
style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-5494815474080203" data-ad-slot="7444598250">

ما بيحسس بالفقر إلا اللي عايش فيه

ما بيحسس بالفقر إلا اللي عايش فيه:

Radar abdo




بقلم :رافت عبده

في زحمة الحياة الصاخبة، وبين بريق المدن الشاهقة وأضواءها الخادعة، يختبئ واقع مرير لا يدركه حق الإدراك إلا من اكتوى بناره، ألا وهو الفقر. إنه وحش كاسر ينهش من كرامة الإنسان، يسلب منه أبسط حقوقه، ويتركه وحيدًا في مواجهة قسوة الحياة. كم هو سهل أن تتحدث عن الفقر وأنت تتكئ على أريكة وثيرة في منزلك الدافئ، أو أن تكتب عنه مقالًا عابرًا وأنت تشرب قهوتك الصباحية! لكن الحقيقة المرة تظل عصية على الفهم الكامل ما لم تذق مرارتها بنفسك.

الفقر ليس مجرد نقص في المال أو قلة في الموارد؛ إنه شعور عميق بالدونية والعجز. إنه الخوف الدائم من المجهول، والقلق المستمر بشأن توفير لقمة العيش للأبناء. إنه الحرمان من أبسط المتع التي ينعم بها الآخرون، من وجبة شهية، إلى كسوة جديدة، إلى فرصة تعليم جيد للأطفال. إنه الشعور بالمرارة وأنت ترى أبناءك يتوقون إلى أشياء لا تستطيع توفيرها لهم، وتكتفي بتقديم الوعود المؤجلة التي تثقل قلبك قبل أن تثقل كاهلهم.

أن تعيش فقيرًا يعني أن تستيقظ كل يوم وأنت تحمل على عاتقك همًا ثقيلاً. يعني أن تحسب كل قرش ألف مرة قبل أن تنفقه، وأن تبحث عن أرخص الأسعار وأقلها جودة في كثير من الأحيان، مجبرًا على التنازل عن معاييرك فقط لتسد رمق الجوع. يعني أن تشعر بالخجل وأنت تمد يدك طلبًا للمساعدة، وأن تنظر إلى نظرات الشفقة في عيون الآخرين التي قد تجرح كرامتك أكثر من جوعك.

الفقر يمتد ليطال جوانب أخرى من حياة الإنسان. إنه يؤثر على صحته النفسية والجسدية، حيث يصبح القلق والتوتر رفيقين دائمين، وسوء التغذية والأمراض تهدد بقائه. إنه يعيق تقدمه وتطوره، حيث تنعدم الفرص التعليمية والمهنية، ويبقى حبيس دائرة مفرغة من الحاجة والعوز. إنه يضعف الروابط الاجتماعية، حيث ينزوي الفقير خجلًا أو يضطر إلى الانشغال بتأمين ضروريات الحياة على حساب العلاقات الإنسانية.

كم من عبارات جوفاء نسمعها عن الصبر والجلد والاكتفاء بالقليل! لكن هذه العبارات تبدو وكأنها نكات سمجة في أذن من يعاني ليل نهار لتأمين قوت يومه. من السهل أن تنصح بالصبر وأنت شبعان، وأن تدعو إلى الجلد وأنت مرتاح البال. لكن الحقيقة هي أن الفقر ينهك الروح قبل الجسد، ويستنزف الطاقة والأمل، ويجعل الصبر ضربًا من المستحيل.

إن فهم الفقر الحقيقي لا يأتي من قراءة الإحصائيات أو مشاهدة التقارير التلفزيونية. إنه يتطلب قدرًا كبيرًا من التعاطف والإحساس بالآخر، ومحاولة وضع النفس مكان من يكابدون هذا الواقع المرير. إنه يتطلب التخلي عن الأحكام المسبقة والنظرة الفوقية، والاعتراف بأن الفقر ليس خيارًا بل هو قيد ثقيل يكبل طاقات وإمكانيات الكثيرين.

فلنتذكر دائمًا أن وراء كل رقم في إحصائيات الفقر قصة إنسان، وحلم مؤجل، ودمعة حبيسة. لنحاول أن ننظر إلى هؤلاء الأشخاص بعين الرحمة والتقدير، وأن نسعى جاهدين لتغيير هذا الواقع المؤلم. لأننا في نهاية المطاف، شركاء في الإنسانية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر وبعض أفراده يعانون تحت وطأة الفقر وظلم الحاجة. ما بيحسس بالفقر إلا اللي عايش فيه، ويا له من إحساس مرير!

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا:

الاكتر شيوعا