الدكتورة ريهان محروس الفخراني بنت قرية نديبة.. سيدة القانون وعاشقته المتفردة
بقلم: رأفت عبدهفي زمنٍ باتت فيه القدوة تائهة، وتراجعت فيه النماذج الملهمة تحت وطأة الضجيج الإعلامي والاستسهال الأكاديمي، تخرج من أعماق الريف البحراوي، من قرية "نديبة" الوادعة، سيدة تحمل نور العقل، ولهيب الشغف، وسيف العدالة في كفٍ، وقلم القانون في الكف الآخر. إنها الدكتورة ريهان محروس السيد الفخراني، أستاذة القانون الدولي بكلية الحقوق – جامعة الإسكندرية، وأحد الأعمدة الذهبية في صرح الفكر القانوني الحديث.
ليست مجرد أكاديمية، بل مشروع إنساني متكامل. لم تولد وفي فمها ملعقة من ذهب، بل تربّت في بيتٍ تُزينه رائحة الكتب، ويغمره نور القرآن، فهي ابنة الشيخ الفاضل محروس السيد الفخراني مدير المعهد الأزهري بحوش عيسى، ، وواحدة من أبرز أبناء عائلة علم وجهاد، سطرت أسماءها في كتاب الفخر لبحيرة العلم والإيمان.
الفتاة التي عشقت القانون... فوقع القانون أسيراً في هواها
منذ صغرها، لم تكن ريهان مجرد طالبة متميزة، بل ظاهرة إنسانية فريدة، تبهرك بذكائها وهدوئها وصرامتها النقية. حفظت القرآن والمعلقات، ودرست الحقوق ليس بحثاً عن وظيفة، بل طلباً لرسالة. حصلت على ليسانس الحقوق من جامعة طنطا، ثم تفوقت لتنال الدكتوراه في القانون المدني، وكان موضوعها "المسؤولية عن الأشياء غير الحية" دراسة غيّرت مفاهيم جامدة وأسست لأفكار قانونية جديدة يُستشهد بها في كبرى المحاكم والمؤتمرات الدولية.
صوت القانون الجديد... ووجه الريف النبيل
رغم أنها خريجة الجامعات وعضو هيئة التدريس في كبرى المؤسسات، فإنها لم تنقطع عن جذورها. "بنت نديبة" كما يناديها أهل قريتها، أصبحت مصدر فخر في كل نادٍ ومحفل علمي، وأصبحت تُستشار في كل ما يستجد في فقه القانون المدني والدولي. لا مؤتمر قانوني يُقام في مصر إلا وتكون د. ريهان فيه نجمة بارزة، ولا ندوة علمية تُعقد إلا وتجد كلماتها مثل السهام تُصيب الفكرة وتُضيء العقول.
ليست وحدها... بل من نسل علماء وأبطال
ريهان لم تكن حلقة شاذة في عائلتها، بل امتداد لمجتمع من النبوغ.
- عمّها الأستاذ محمد عبده الفخراني، معلم أجيال وصانع عقول.
- وابن عمها الدكتور إيهاب عبده، جراح الأوعية الدموية الذي يُشبهه أهالي البحيرة بملاك الرحمة.
- وخالها الشيخ محمد سعد الفخراني، داعية الإسلام في روسيا الذي حمل مشعل الهداية إلى أقاصي الأرض.
- وابن عمها الاستاذ الدكتور محمد فتحي الفخراني، أستاذًا مساعدًا (Assistant Professor) بكلية الصيدلة بجامعة تكساس ساوثرن بالولايات المتحدة الأمريكية.
كلهم من نبعٍ واحد: عائلة لم تكتفِ بالعلم، بل جعلته واجباً ورسالة.
كتابها.. أيقونة القانون المعاصر
كتابها الشهير "المسؤولية عن الأشياء غير الحية" لم يكن مجرد بحث أكاديمي، بل ملحمة فكرية جمعت بين عمق القانون وجمال الأدب. خرج من عباءة التكرار، ليصبح مرجعاً حيّاً، يُدرّس في الجامعات ويُناقش في المحاكم. تسللت فيه روح الريف، ودفء التربية القرآنية، وقوة المرأة التي رفضت أن تكون ظلًا في زمن الذكور.
المرأة التي صنعت مجدها من الصفر
الدكتورة ريهان اختارت أن تصنع من عقلها حصناً يحترمه الجميع، فحينما كان البعض ينظر إليها كأنثى جميلة، أجبرتهم على النظر مرة أخرى... لكن هذه المرة، إلى عقلها وحده. لم تهرب من التحديات بل واجهتها بجبهة مرفوعة، لم تغرها الأضواء بل استعصمت بكبرياء العلماء.
هي لا تُجيد الضجيج، لكنها بارعة في ترك الأثر. صمتها قانون، وكلماتها أحكام.
هذه ليست مجرد سيرة ذاتية، بل مشعل أمل لطالبات القانون، ودرسٌ متجدد في أن الفكر الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان بل إلى إتقان.
الدكتورة ريهان محروس السيد الفخراني... تستحق أن تكون رمزًا وطنيًا للعلم، والمرأة، والقانون، والقرية المصرية الأصيلة.
وختامًا، لا يسعنا إلا أن نرفع لها القبعة، وأن نقول بصوتٍ عالٍ:
"نعم، ما زال في مصر علماء... يضيئون الطريق في عتمة الزمن".
اترك تعليقا: