تستهل الدكتورة شمس راغب مقالها بالتأكيد على عمق الانتماء للوطن، قائلة: "يبقى الوطن وطنًا مهما

اشتدت فيه الآلام، وتبقى الغربة غربة مهما بلغ فيها المقام". وتستشهد بقوله تعالى: "ليس لها من دون

الله كاشفة" (النجم: 58)، لتؤكد على أن الخطر قد يداهم حين يغفل الناس عن تقدير الموقف.

وتصف الدكتورة شمس راغب مصر بأنها "قاهرة الأمم" التي وصلت بركتها إلى العرب والعجم، فهي

"بلاد كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة". وتذكر فضائل مصر وتاريخها العريق في الإسلام، منذ أن

وطأت أرضها أقدام الأنبياء والمرسلين والصحابة المجاهدين.

وتشيد بتضحيات جنود مصر البواسل، الذين علت أصواتهم بالتكبير فوق صوت المدافع، وروت

دماءهم أرض سيناء، مؤكدة على أن مصر عاشت حرة أبية، وعاش شعبها العظيم، وعاشت الأمة

العربية والإسلامية، ورفع الله قدر الإنسانية المدافعة عن الحق والمظلومين.

وتصف الوطن بأنه "كلمة عميقة المعاني قوية الجذور تعيش في قلوبنا"، لأنه يحمل سجلًا حافلًا بتاريخ

عظيم ترك أثرًا كبيرًا في القلوب جيلًا بعد جيل. وتعبر عن الشوق والحنين إلى الوطن رغم ما قد

يعتري الإنسان من حزن وبكاء في الغربة، مؤكدة على أن الحب لمصر يزداد يومًا بعد يوم.

وتعلن الدكتورة شمس راغب للعالم أجمع أن "بلدها مصر" هي بلاد الخير والمحبة والحضارات، وأن

من أراد بها سوءًا قصمه الله ورد كيده في نحره، مستشهدة بقول الشاعر:

"ما رماني رام وراح سليما ... من قديم عناية الله جندي

أنا إن قدر الإله مماتي ... لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي"

وتضيف:

"نحن نجتاز كل موقف تعثر الآراء فيه ... وعثرة الرأي تردي

فقفوا فيه وقفة حزم ... وارسوا جانبيه بعزمة المستعد"

وتؤكد على أن أبناء مصر ضحوا ويضحون بأرواحهم فداء لها على مر الزمن.

وتتغنى بحب مصر وجمالها، قائلة:

"حاولت أدرك سر مصر ونيلها ... فاحترت في أمري وتاه دليلي

إن غبت عنها لا تفارق مهجتي ... حتى أعود إلى ضفاف النيل

فإذا أتيت لا أقاوم سحرها ... وتخر أربعتي من التبجيل قارنت مصر بغيرها فتدللت ... وعجزت أن أحظى لها بمثيل

ما السر - مصر - ؟ فمن سواك لعثرتي ... هل من سبيل في شفاء غليلي

لك من إباء الشامخات إلى العلا ... في كل حقل مثبت بدليل"

وتصف حضارة مصر بأنها "معجزات في الورى عقم الزمان بمثلها كبديل"، وأن الله رفع مقامها وأجله

في الذكر والتوراة والإنجيل. وتذكر كيف جاء يوسف عليه السلام إلى مصر، وكيف تكفلت مصر ببيت

النبوة، وكيف يتبع النيل وحي منشئه، وكيف حنى على طفل فنام بمهده.

وتشير إلى تجلي الله على جبل الطور في سيناء، وإلى مقام السيدة مريم والسيدة هاجر في مصر، قائلة:

"في طور سيناء تجلى ربنا ... فوق الكليم بأول التنزيل

وكذا البتول أتت لمصر بابنها ... تبغي الأمان وتحتمي بمقيل

يكفيك يا أرض الكنانة هاجر ... ميلي بتيه يا كنانة ميلي

يا أم إسماعيل وصلك واجب ... من عق مصر فقد أتى بجليل

بثراك يرقد خير عترة مرسل ... طيب يفوح وبلسم لعليل

هذي عناية الله خصت بها ... مصر لتبقى موضع التفضيل"

ويدعو الشاعر لمصر قائلًا:

"بوركت مصر فلا أراني بالغا ... حق المديح وإن جهدت سبيلي

قد شئت إطنابا وعذري أنني ... أطفأت حين بدأ سناك فتيل

فالنور أنت ولا ضياء إذا انضوى ... عنا ضياؤك يا عروس النيل

يا مصر يرعاك الإله كما رعى ... تنزيله من عابث ودخيل"

وتختتم الدكتورة شمس راغب مقالها بالتأكيد على أن حب الوطن ليس حكرًا على أحد، وأن الدين

الإسلامي يحث على حب الوطن والوفاء له، مستشهدة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أجبر

على فراق مكة: "والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما

خرجت".

وتؤكد على أن الرسول الكريم يعلمنا كيف نحب أوطاننا ونعمل على عزتها وكرامتها، ونبذل في ذلك

أغلى ما نملك، ثم تختتم بالدعاء:

"اللهم اجعل مصر آمنة مطمئنة ساكنة مستقرة وسائر أمتنا العربية وسائر بلاد المسلمين، وأن يعم الأمن

والسلام بلاد العالم أجمع. اللهم آمين يا رب العالمين".