رأفت عبده يكتب "تواضع القلم وعظمة الفكر... طريقك لتصبح كاتباً ناجحاً"
في زمنٍ امتلأت فيه الشاشات بالكلمات الفارغة، وتكاثرت فيه الأصوات العالية التي لا تحمل علماً ولا قيمة، أصبح الطريق إلى الكتابة الحقيقية يشبه السير على الجمر. لم يعد يكفي أن تمسك قلماً، ولا أن تجيد قواعد اللغة، ولا أن تحفظ اقتباسات من كتبٍ لا تعرف طعمها... إن أردت أن تكون كاتبًا حقيقياً، لا مجرد ناقل حروف، فعليك أن تفهم أن "الكتابة موقف"، وأن "الكلمات سلاح" لا يليق به سوى العظماء.
لكن، ما لا يدركه كثيرون من مدّعي الفكر والثقافة، أن سرّ الكاتب الناجح لا يكمن في عدد المتابعين، ولا في وهج الشهرة، ولا حتى في رنين الألقاب... بل يكمن في ركيزتين عظيمتين: التواضع والثقافة.
فمن ظن أنه يعرف كل شيء، كتب هراءً، ومن ظن أنه فوق النقد، مات قلمه قبل أن يولد.
وحده المتواضع، الذي يجلس مع الصغار ويتعلم من الكبار، هو من يُخرج من قلمه شرارة تضيء عتمة العقول.
ووحده المثقف، الذي لا يقرأ فقط ليملأ عقله، بل ليهدم الجهل بداخله، هو من يصنع فارقًا حقيقيًا في وعي الأمة.
في عالم الصحافة والإعلام، في زمن "الترندات" و"البوستات"، تحوّل كثير من الكتّاب إلى ما يشبه آلات تكرار... تكتب ما يُطلب منها، وتنشر ما يُرضي الآخرين، وتتنازل عن مبادئها طمعاً في "لايك" أو "شير". هنا، يسقط الإبداع، ويموت الحرف، ويتحول الكاتب من "صوت ضمير" إلى مجرد بوق.
ولكن الكاتب الحقيقي، لا يُشترى. هو إنسانٌ يتغذى على المعرفة، ويشرب من نهر التواضع، ويؤمن أن كل قارئ يستحق الاحترام، وأن كل فكرة تُطرح تستحق التأمل.
هو لا يكتب ليُعجب به الناس، بل ليوقظ فيهم ما نام طويلاً من وعيٍ وكرامةٍ وفكر.
الثقافة لا تعني كثرة الكتب على الرفوف، بل هي فهم الواقع، ومعايشة التاريخ، والقدرة على الربط بين الحاضر والمستقبل. والكاتب المتواضع، لا يخجل من قول "لا أعلم"، ولا يتردد في أن يتعلم من طفل أو فلاح أو سيدة بسيطة لم تدخل مدرسة قط.
وإذا جمع الكاتب بين التواضع والثقافة، امتلك سلاحًا لا يُكسر، وقلمًا لا يُهزم، وصوتًا لا يُقمع. يصبح حينها صوت من لا صوت لهم، ولسان المهمشين، وذاكرة الشعوب التي لا تريد أن تُنسى.
إن أردت أن تكون كاتبًا ناجحًا، فلا تبحث عن الشهرة، بل ابحث عن القيمة. ولا ترفع نفسك فوق الناس، بل انزل إليهم وشاركهم آلامهم وأحلامهم. واجعل قلمك مرآة لضميرك، لا أداة لتزييف واقعك. ففي النهاية، سيبقى الكاتب الحق منارةً في ليل الجهل، وصوتًا لا يخفت مهما اشتد الصمت.
وتذكّر دائماً:
الكاتب المتكبر يفقد قراءه، والمثقف الحقيقي لا يصرخ بل يُقنع... فمن تواضع للحقيقة، رفعه القلم إ
لى قمم لا تطالها أقدام المُدّعين.
اترك تعليقا: