-->
style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-5494815474080203" data-ad-slot="7444598250">

غزة: كل شيء ينفد... إلا الأكفان!

 غزة: كل شيء ينفد... إلا الأكفان!

غزة: كل شيء ينفد... إلا الأكفان!


بقلم : رافت عبده 

في بقعة من الأرض المقدسة، حيث تتردد أصداء الأنبياء وتفوح رائحة التاريخ، يرتفع صراخ مكتوم، ويهمس الموت في كل زاوية. 

هنا، في غزة المحاصرة، تتجلى قسوة العالم بأبشع صورها. كل شيء هنا يوشك على النفاد، الماء والدواء والغذاء، حتى الأمل نفسه بات عملة نادرة. 

إلا شيئًا واحدًا يزداد وفرة، يتكاثر بوتيرة مرعبة، ينتشر كالهشيم في الريح: الأكفان.

صرخة البداية: مشهد عبثي في أرض محاصرة

تخيلوا مشهدًا عبثيًا، سوقًا سوداء للأحلام المحطمة، حيث تباع الحياة بأغلى الأثمان وتوزع النهاية بالمجان. هنا، في غزة، لم يعد الموت شبحًا يتربص بالبعيد، بل أصبح ساكنًا يوميًا، ضيفًا ثقيلاً على كل بيت. الأكفان البيضاء، التي كانت رمزًا للرحيل بسلام، تحولت إلى مؤشر يومي للفظائع، إلى إحصائية مرعبة تضاف إلى سجلات الضحايا.

حصار خانق وحياة تتلاشى

سنوات من الحصار الخانق حولت غزة إلى سجن كبير، حيث تقيد الأيدي وتكمم الأفواه. تدفق المساعدات شحيح، والموارد تتناقص باستمرار. المستشفيات تئن تحت وطأة نقص الأدوية والمعدات، وأصوات الأطباء تتعالى بالاستغاثة. الأطفال، الذين كان من حقهم أن يرتعوا في ملاعب آمنة، يواجهون شبح الجوع والمرض. الشيوخ، الذين قضوا أعمارهم في الكد والتعب، يصارعون للبقاء على قيد الحياة في ظل ظروف لا إنسانية.

الموت المجاني: ثمن الصمت العالمي

في هذا الواقع المرير، يصبح الموت سلعة وفيرة، يُقدم بلا ثمن. قصف هنا، وغارة هناك، وضحايا يتساقطون كأوراق الخريف. الأكفان البيضاء تتسع لجسد طفل مزقته شظايا قذيفة، ولأم فقدت عائلتها بأكملها، ولأب شيخ انطفأت عيناه حسرة على ما آل إليه حال وطنه.

أين الإنسانية؟ أين الضمير العالمي؟ أصوات الاستنكار خافتة، والتحركات بطيئة، وكأن دماء الأبرياء في غزة ليست سوى مداد يكتب به فصل آخر من فصول الخذلان.

 الصمت الدولي جريمة مكتملة الأركان، شراكة في سفك الدماء، وتواطؤ على إذلال شعب بأكمله.

الأمل المتبقي: صمود في وجه الفناء

وسط هذا الظلام الدامس، تبرق بصيص من الأمل. إنه صمود أهل غزة، تلك الإرادة الصلبة التي ترفض الانكسار رغم كل المحن. إنهم يتشبثون بأرضهم، بتاريخهم، بحقهم في الحياة بكرامة. إنهم يزرعون الزهور في تربة ملطخة بالدماء، ويروونها بدموع الأمل.

أطفال غزة يرسمون على جدران الدمار أحلامهم ببراءة، وشبابها المتعلم يبتكر حلولًا رغم الحصار، ونساؤها الصابرات ينسجن خيوط الأمل في ليالي القصف. إنهم يلقنون العالم درسًا في الصمود والإيمان، يخبروننا أن الحياة أقوى من الموت، وأن الإرادة تنتصر على القوة الغاشمة.

نداء إلى الضمير الإنساني

غزة ليست مجرد بقعة على الخريطة، بل هي رمز للإنسانية المختنقة، وصرخة مدوية في وجه الظلم.

 إن ما يحدث فيها ليس مجرد صراع سياسي، بل هو كارثة إنسانية تتطلب تحركًا عاجلاً وحاسمًا.

نناشد الضمير العالمي، نتوجه إلى كل إنسان حر وشريف:

 لا تدعوا غزة تموت بصمت. ارفعوا أصواتكم، طالبوا بإنهاء الحصار، وادعوا إلى توفير الحماية الدولية لشعب أعزل. قفوا في وجه الظلم، وكونوا صوت الحق والعدل.

فغدًا، عندما يطوي التاريخ صفحات هذه المأساة، لن يسألنا عن عدد القتلى، بل سيسألنا:

 أين كنا عندما كانت الإنسانية تُذبح في غزة؟ هل كنا شهودًا صامتين على نفاد الحياة وتكاثر الأكفان؟

فلنجعل صوتنا مدويًا، فلنكن جزءًا من الحل، لا جزءًا من المشكلة. لنجعل غزة تستعيد نبض الحياة، ولنجعل الأكفان مجرد ذكرى مؤلمة لفترة عصيبة طواها الزمن. الحياة تستحق أن تُعاش بكرامة، والأطفال يستحقون مستقبلًا آمنًا، وأهل غزة يستحقون أن ينعموا بالحرية والسلام.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا:

الاكتر شيوعا