غزة: ليلة القيامة في المستشفى المعمداني.. قصف إسرائيلي يخرج الطوارئ عن الخدمة ويثير فزعًا عالميًا
في مشهد يدمي القلوب ويستدعي أهوال يوم القيامة، اهتزت مدينة غزة ليلة أمس على دوي انفجارات عنيفة هزت أرجاء المستشفى المعمداني، الصرح الطبي الذي لطالما كان ملاذًا للمرضى والجرحى. طائرات الاحتلال الإسرائيلي، في فصل جديد من فصول العدوان المستمر، استهدفت مبنى الطوارئ في المستشفى، محولة ليلة هادئة إلى جحيم من النيران والدخان والصراخ المكتوم.
لم تمهل السماء الغزية ساكنيها طويلًا، فسرعان ما تحولت أصوات الأنين والدعاء إلى صرخات فزع ورعب، بينما تصاعدت ألسنة اللهب لتلتهم جزءًا حيويًا من المشفى الذي يسعى لإنقاذ الأرواح. مبنى الطوارئ، شريان الحياة للمستشفى، خرج تمامًا عن الخدمة، تاركًا خلفه دمارًا هائلاً وركامًا يئن تحت وطأة الفاجعة.
في اللحظات الأولى التي أعقبت القصف، ساد الذهول والصمت المطبق، سرعان ما تبعه هرج ومرج وبحث محموم عن ناجين وسط الظلام الدامس والغبار المتصاعد. لم تتضح بعد الحصيلة النهائية للضحايا، لكن الشواهد الأولية والصور القادمة من قلب الحدث تنذر بكارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. روائح الموت تختلط بروائح الدخان، وأصوات الاستغاثة تخترق سكون الليل، لتعلن عن فاجعة جديدة تضاف إلى سجل طويل من الألم والمعاناة في قطاع غزة المحاصر.
يذكر أن هذا الاعتداء الغاشم ليس الأول من نوعه على هذا المشفى الخيري التابع للكنيسة المعمدانية. ففي السابع عشر من أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين، ارتكبت قوات الاحتلال جريمة مماثلة بقصف المشفى نفسه، مما أسفر عن استشهاد قرابة الستمائة شخص، من بينهم خمسون طبيبًا كانوا يؤدون واجبهم الإنساني. هذا التاريخ الدامي يعود ليطل برأسه من جديد، ليذكر العالم بوحشية الاحتلال واستخفافه بكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.
إن استهداف المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، التي تحظى بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، يعد جريمة حرب مكتملة الأركان. هذا القصف الآثم يمثل انتهاكًا صارخًا لكل القيم الإنسانية والأخلاقية، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية لوقف هذا النزيف المستمر من الدماء البريئة.
في هذه الليلة الحالكة، تتجه الأنظار نحو غزة، حيث تتصاعد الدعوات لتقديم العون والإغاثة للمصابين وانتشال الجثث من تحت الأنقاض. العالم مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى لإدانة هذا العمل الإجرامي بكل قوة، والتحرك الفوري لضمان محاسبة المسؤولين عنه، وحماية ما تبقى من مقومات الحياة في القطاع المحاصر. إن صمت العالم تواطؤ، والتاريخ لن يرحم المتخاذلين أمام هول هذه الفاجعة التي تجسد يومًا من أيام القيامة على أرض غزة.
اترك تعليقا: