من السياسة إلى رجولة الدولة: المعركة الأصعب ليست في المناصب بل في المبادئ!
في زمن تتغير فيه التحالفات بسرعة البرق، وتذوب فيه الشعارات أمام أول اختبار حقيقي، يكتب لنا الأستاذ/ محمد هشام عبد الله – المحامي هذه الكلمات النارية ليطرح السؤال الأهم: هل نحن أمام سياسيين حقيقيين أم مجرد أصحاب مقاعد وكراسي؟
سهل جدًا أن تدخل حزبًا، فالعضوية قد تكون ورقة، توقيع، صورة على منصة، أو حتى مجرد حضور اجتماع. وسهل أيضًا أن تُسمى سياسيًا، فالأمر لا يتجاوز لقبًا يسبق اسمك في الأخبار أو على صفحات التواصل. وسهل أن تصبح مسؤولًا، خاصة إذا فتحت أمامك أبواب المناصب، أو دفعتك الظروف إلى الكرسي. وحتى لقب "رجل دولة" يمكن أن يُطلق على البعض لمجرد ظهورهم في لحظة حرجة أو بضع تصريحات رنانة.
لكن الحقيقة المُرة أن كل هذا مجرد قشرة، ومجرد "سهل" في قاموس الحياة العامة. الصعب حقًا ليس في الوصول، بل في الاستمرار، ليس في المناصب، بل في التوازن، ليس في الكرسي، بل في المبدأ.
السياسة تُعلَّم وتُكتسب بالممارسة، والخبرة تُراكم مع الأيام، والمسؤوليات تُدار بالتجربة والخطأ. لكن ماذا عن النفس البشرية؟ ماذا عن الاتزان النفسي وسط العواصف؟ ماذا عن القدرة على قول "لا" حين يتهافت الجميع على "نعم"؟ ماذا عن الوقوف بثبات على أرض المبادئ في زمن الانحناءات والانكسارات؟
هنا المعركة الحقيقية، وهنا – كما يوضح الكاتب محمد هشام عبد الله – يكمن الفارق بين "السياسي" و"رجل الدولة".
رجل الدولة ليس مجرد صاحب قرار، بل صاحب بوصلة، يعرف اتجاهه حتى لو هبّت العواصف. رجل الدولة لا يساوم على قيمه مقابل لحظة مجد مؤقتة أو مقعد زائل. رجل الدولة يدرك أن الاتزان النفسي والمبدأ الصلب هما أقوى من كل المناصب، وأبقى من كل الألقاب.
وهنا نصل إلى لب الحقيقة:
سهل تدخل حزب... صعب تبقى سياسي.
سهل تبقى سياسي... صعب تبقى مسؤول.
سهل تبقى مسؤول... صعب تبقى رجل دولة.
وسهل تبقى كل ده... لكن الأصعب تبقى متزن، سوي نفسيًا، وصاحب مبدأ لا يهتز
المعادلة في النهاية ليست في الكرسي ولا في اليافطة ولا في المنصب. المعادلة الحقيقية تكمن في الإنسان نفسه: هل هو قادر على أن يبقى ثابتًا وسط الضغوط؟ هل يقدر أن يوازن بين السياسة والإنسانية، بين السلطة والضمير، بين المكاسب اللحظية والمبدأ الأبدي؟
السياسة قد تمنحك منصبًا، لكن المبادئ هي التي تمنحك الخلود. والمناصب قد تصنع لك شهرة، لكن الاتزان النفسي والقيم هي التي تصنع منك رجل دولة حقيقي يُكتب اسمه بحروف من نور.
وهنا يكمن السر: السياسة قد تصنع رجال كراسي، لكن المبادئ هي التي تصنع رجال دولة.
إرسال تعليق