-->
style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-5494815474080203" data-ad-slot="7444598250">

رحلة مريم بشير: صراع القلم في وجه العواصف

رحلة مريم بشير: صراع القلم في وجه العواصف

رحلة مريم بشير: صراع القلم في وجه العواصف
بقلم رأفت عبده 

في زمن أصبحت فيه الأخلاق عملة نادرة في سوق التنازلات، وحيث تُقاس النجاحات أحيانًا بعدد الخطوط الحمراء التي تم تجاوزها، تبرز قامة فريدة لا تشبه أحدًا ولا تريد أن تشبهها أحد. إنها مريم، الاسم الذي أصبح مرادفًا للشجاعة، الصدق، والنقاء في عالم الصحافة المليء بالضبابية. امرأة لم تولد وفي فمها ملعقة ذهب، بل نحتت مجدها الخاص، حرفًا بحرف، خطوة بخطوة، وألمًا بألم، دون أن تدفع ثمنًا من قناعاتها الراسخة أو تساوم على كرامتها التي هي أغلى من كنوز الدنيا.

في دهاليز مهنة الصحافة، حيث تُختبر المبادئ كل يوم وتُفحص النوايا تحت المجهر، وقفت مريم كالصخرة الصلبة.

 لم تكن الأبواب تُفتح لها على مصراعيها، بل كانت تُغلق بوجهها تارة، وتُصفع بها تارات أخرى، لكنها لم تتراجع قيد أنملة. ظلت تحاول وتتحدى وتنهض في كل مرة أقوى وأكثر إصرارًا من ذي قبل. لم ترضَ لنفسها أن تكون مجرد صدى باهت لأصوات مكررة، أو صورة نمطية في برواز زائف، بل أرادت أن تكون الصوت الحقيقي لمن لا صوت لهم، والقلم الذي لا ينكسر أبدًا أمام وابل الترهيب أو سيل الإغراءات. 

مريم بشبر

أرادت أن تكون منارة للحقيقة في بحر الظلمات.

عرفها الجميع لا بجمالها الخارجي الذي قد يخبو بمرور الزمن، بل بجمال داخلي يتوهج كنجمة في سماء مظلمة.


 هناك من قالوا عنها بحق: "مريم ما لمست يوم أحدًا بجمالها من جوه"، وهذا القول ينبع من صميم الحقيقة. 

فطيبة قلبها التي تفيض حنانًا، وصدقها الذي لا تشوبه شائبة، ووضوحها الذي يبدد كل غيم، كانت تسبق كلماتها وتتحدث عنها قبل أن تنبس ببنت شفة. 

في الوقت الذي حاول فيه المتصيدون والمتآمرون إيذاءها، وتشويه صورتها النقية، وعرقلة طريقها بكل السبل الممكنة، كانت دائمًا واقفة على حيلها، شامخة كالنخلة، لا تميل ولا تنكسر ولا تستسلم لأي عاصفة مهما اشتدت.

إنها لا تنتمي إلى مدرسة الخنوع والتسليم، بل إلى مدرسة الحق التي ترفض المساومة على المبادئ.

 حين كانت مريم تقول "لا"، لم تكن تُعلن الرفض فحسب، بل كانت تُعلن موقفًا راسخًا، وتتحيز للكرامة الإنسانية فوق كل اعتبار. رفضت رفضًا قاطعًا أن تدفع ثمن حلمها الكبير من كرامتها التي هي أغلى ما تملك، ورفضت أن تكون الصحافة مجرد سلم للشهرة الزائفة أو وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية، بل كانت الصحافة بالنسبة لها رسالة سامية، كانت رسالتها الأولى والأخيرة، التي نذرت حياتها من أجلها.

مريم بشير


لم تكن مسيرة مريم في عالم الصحافة مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بالأشواك، تحديات كبرى واجهتها في كل منعطف، لكنها حولتها إلى درجات صعود نحو القمة.

في بداية طريقها، اصطدمت مريم بواقع مرير: أبواب المؤسسات الصحفية لم تكن تفتح بسهولة أمام صحفية شابة تحمل مبادئها كدرع.

 غالبًا ما واجهت رفضًا من بعض المديرين للحديث عن قضايا الفساد المستشرية، أو مماطلة في تحديد مواعيد المقابلات، خاصة تلك التي كانت تستهدف كشف الحقائق. لكنها لم تيأس؛ كانت تصر على صياغة أسئلتها النقدية بذكاء، وتبحث عن طرق بديلة للوصول إلى المعلومة، مؤمنة بأن الحقيقة لا يمكن أن تُحجب إلى الأبد.

في عصر تراجعت فيه قراءة الصحف المطبوعة، وتزايد فيه إقبال الجمهور على الصحف "الشعبية" أو المثيرة، وجدت مريم نفسها في مواجهة تيار جارف يفضل الإثارة على العمق. كان هناك ضغط كبير لتقديم محتوى سطحي أو متسرع، لكنها رفضت الانجرار. أدركت أن التحدي ليس في مجاراة السرعة، بل في الحفاظ على الجودة والمصداقية. عملت على التحقق من كل معلومة، وتفنيد الأخبار الزائفة التي كانت تغرق الفضاء الرقمي، لتكون منارة للثقة في زمن الفوضى المعلوماتية.


لم تكن مريم غريبة عن التضييقات. في سعيها لكشف الفساد أو تسليط الضوء على قضايا حساسة، واجهت أحيانًا منعًا من الوصول إلى مصادر معينة، أو رقابة على تقاريرها. كانت تعرف أن مهنة الصحافة غالبًا ما تُنظر إليها على أنها "مهنة البحث عن المتاعب"، وأن الصحفي قد يُعامل بسوء، بل وقد يتعرض للاعتداء. لكن هذا لم يثنِ عزيمتها، بل زادها إصرارًا على أن تكون صوتًا لا يُسكت.

وكونها امرأة في مهنة غالبًا ما يسيطر عليها الرجال، واجهت مريم تحديات إضافية. 

فإلى جانب ضغوط العمل البدنية والنفسية التي يتعرض لها الصحفيون (مثل الإرهاق، القلق، وحتى الاكتئاب)، كانت هناك تحديات تتعلق بالتنميط الجندري، ومحاولة حصرها في مهام أقل تحديًا. كما أن الموازنة بين متطلبات المهنة الشاقة وحياتها الشخصية كانت معركة يومية. ومع ذلك، أثبتت أن المرأة الصحفية قادرة على تحقيق التوازن والنجاح، وأن شغفها بالمهنة يمكن أن يتغلب على أي عقبة شخصية.

لعل التحدي الأكبر لمريم كان الحفاظ على استقلاليتها ومبادئها في عالم تتغير فيه الولاءات وتُباع فيه الذمم. عُرضت عليها الإغراءات، وحاول البعض تشويه سمعتها، لكنها ظلت وفية لقناعاتها. 

لم تكن الصحافة بالنسبة لها مجرد وظيفة، بل رسالة أخلاقية وإنسانية. 

كانت تؤمن بأن القلم أمانة، وأن الحقيقة لا تقدر بثمن.

لقد كانت رحلة مريم تجسيدًا حيًا لمقولة "الشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين".

 لم تكن تبحث عن الشهرة، بل عن التغيير. لم تكن تسعى للمكاسب، بل للعدالة. وبفضل إصرارها، أصبحت مريم أيقونة في عالم الصحافة، تُلهم كل من يؤمن بأن الحق لا يموت، وأن الكرامة لا تُساوَم عليها.

تعرف على المزيد اضغط هنا 

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا:

الاكتر شيوعا