"كلنا راحلون ولكن سيبقى الأثر": وقفة مع الذات في مهب الرحيل!
صرخة مدوية تهز أركان النفس، وحقيقة دامغة تطل برأسها في كل لحظة: كلنا راحلون! نأتي إلى هذه الدنيا في رحلة قصيرة ومحدودة، محملين بآمال وأحلام، تاركين خلفنا بصمات قد تُمحى سريعًا أو تدوم أبدًا. وبين الميلاد والرحيل، تتشكل حكاياتنا، وتُكتب سطورنا في سجل الوجود. ولكن السؤال الذي يجب أن يخترق صميم وعينا ويهز ضمائرنا هزًا عنيفًا هو: أي أثر سنترك؟ وفي أي صفحة سيُطوى اسم كل واحد منا؟
إنها ليست مجرد كلمات عابرة أو عبارات تقليدية تُقال عند الفقد. إنها دعوة ملحة للتأمل العميق في جوهر وجودنا، وفي المسؤولية العظيمة التي نحملها تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. إنها لحظة فارقة تستدعي وقفة صادقة مع الذات، لنراجع مسيرتنا ونستشرف نهايتنا.
هل سنرحل تاركين خلفنا ذكرى طيبة، وأفعالًا حسنة، وبصمات خير تضيء دروب الآخرين؟ أم أننا سنكون مجرد عابرين لم يتركوا سوى غبار النسيان، أو أسوأ من ذلك، آثارًا سلبية وندوبًا غائرة في قلوب من تعاملوا معنا؟
إن الحياة ليست مجرد جمع للمال أو تحقيق للمنزلة أو السعي وراء الملذات الزائلة. إنها أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة. كل كلمة ننطقها، وكل فعل نقوم به، وكل قرار نتخذه، يترك أثرًا في هذا العالم. قد يكون أثرًا طيبًا يزرع الأمل ويبني الخير، وقد يكون أثرًا سيئًا يزرع الفتنة ويهدم القيم.
فلنتأمل جميعًا في اللحظات التي مررنا بها، وفي القرارات التي اتخذناها. هل كنا عادلين في حكمنا؟ هل كنا رحماء في تعاملنا؟ هل سعينا لنصرة المظلوم ورفع الظلم؟ أم أننا انغمسنا في شهواتنا وأهوائنا، وتجاهلنا صرخات المحتاجين وآلام المهمشين؟
إن اللحظة الراهنة هي فرصة ثمينة للتغيير والتصحيح. لم يفت الأوان بعد لنترك أثرًا طيبًا، ولنكتب لأنفسنا صفحة مشرقة في سجل التاريخ. إن إقامة العدل ورفع الظلم ليسا مجرد شعارات براقة، بل هما مسؤولية فردية وجماعية. يبدآن من داخل نفوسنا، ويتجسدان في تعاملاتنا اليومية، ويمتدان ليشملا مجتمعاتنا بأسرها.
فلنسعَ جاهدين لنكون ممن يزرعون الخير ويحصدون المحبة، ممن يضيئون الدروب المظلمة وينشرون الأمل في القلوب اليائسة. فلنجعل من حياتنا بصمة خير تدوم، وذكرى طيبة تُروى، وأثرًا باقيًا يشهد على إنسانيتنا وصدقنا.
"كلنا راحلون ولكن سيبقى الأثر". فلنجعل أثرنا نورًا يهدي، وخيرًا يبقى، وذكرى عطرة لا تُنسى. نسأل الله الهداية والسداد، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفقنا لترك بصمات خير تشفع لنا يوم نلقاه.
اترك تعليقا: