الصفحات

الغني غني النفس وليس من يملك المال

الغني غني النفس وليس من يملك المال

Rafat abdo


بقلم رأفت عبده 

في خضم صخب الحياة المادية، وتزاحم الناس نحو جمع الثروات وتكديس الأموال، غالبًا ما يغيب عن أذهاننا جوهر الغنى الحقيقي. نظن أن اللامعين بريق الذهب، وصليل العملات، وفخامة المقتنيات هي مقياس الثراء، لكن الحقيقة أعمق وأبعد غورًا من ذلك بكثير. إن الغني الحقيقي ليس من يملك المال، بل من استغنى بنفسه، وامتلك كنوزًا لا تقدر بثمن في داخله.

كم من أصحاب الملايين يعيشون حياة قلقة مضطربة، تسكنهم المخاوف من فقدان ما يملكون، وتتملكهم الحاجة الدائمة للمزيد؟ قلوبهم قاحلة رغم امتلاء خزائنهم، وأرواحهم عطشى رغم تدفق النعيم المادي إليهم.

 إنهم أفقر الفقراء لأنهم فقدوا السكينة الداخلية، والرضا بما لديهم، والقدرة على الاستمتاع بالبسيط من متع الحياة.

على الجانب الآخر، نجد أفرادًا قنعوا بما رزقوا، يملكون قلوبًا عامرة بالإيمان، ونفوسًا راضية هادئة.

 إنهم أغنياء بحبهم للحياة، وتقديرهم للنعم الصغيرة، وعلاقاتهم الإنسانية الدافئة. يجدون السعادة في العطاء لا الأخذ، وفي البساطة لا التكلف، وفي السلام الداخلي الذي لا تشتريه كنوز الدنيا.

إن غنى النفس يتجلى في صور عديدة.

 إنه في القناعة التي تجعل صاحبها يرى نصف الكوب الممتلئ لا الفارغ. إنه في الرضا الذي يمنح القلب سكينة لا يزعزها تقلبات الأيام.

 إنه في العطاء الذي يزرع البسمة على وجوه الآخرين ويشعر صاحبه بنشوة لا تضاهى. إنه في الأخلاق الحميدة التي تجعل الإنسان ثريًا في تعاملاته ومحبوبًا بين الناس.

 إنه في العلم والمعرفة التي تفتح آفاق العقل وتثري الروح.

لا يعني هذا التقليل من أهمية المال ودوره في تيسير أمور الحياة، ولكن يجب أن ندرك أنه وسيلة لا غاية. المال خادم جيد، لكنه سيد فاسد إذا تملك القلب واستعبد الروح. الغنى الحقيقي يكمن في تحرير الذات من عبودية المادة، والارتقاء بالنفس إلى مستوى تسمو فيه على الزخارف الزائلة.

فلنسعَ إذًا إلى بناء ثروتنا الداخلية، إلى تنمية كنوزنا الروحية. لنستثمر في تطوير ذواتنا، وتقوية علاقاتنا، ونشر الخير من حولنا. عندها فقط سنشعر بالغنى الحقيقي، الغنى الذي لا يزول ولا يفنى، الغنى الذي يسعد القلب ويرضي الروح، الغنى الذي يجعلنا بحق أثرياء النفوس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق