"ألا إن نصر الله قريب".. وفي سواد الليل يرتفع الدعاء لأهل غزة
بقلم : رافت عبده
في خضم العتمة الحالكة التي تلف قطاع غزة، تحت وطأة القصف المتواصل الذي لا يرحم، والدمار الهائل الذي يطال كل شيء حي وجماد، والحصار الخانق الذي يكتم الأنفاس ويحاصر الأحلام، يظل نور الأمل خافتًا لكنه لا ينطفئ في قلوب صلبة مؤمنة بوعد الله. تتصاعد الأنفاس المثقلة بالوجع، أنفاس أطفال فقدوا أمهاتهم، وأمهات ثكالى فقدن فلذات أكبادهن، وآباء رأوا منازلهم تتحول إلى أكوام من التراب، وأحلام شباب تبخرت في سماء ملبدة بالدخان. هذه الأنفاس تختلط بصدى الانفجارات المدوي، الذي يهز الأرض ويزعزع الأرواح، ليخلق سيمفونية من الألم والخوف والفقد.
في هذه الأجواء الكارثية، حيث تتوالى الأحداث المروعة وتتفاقم المأساة الإنسانية، يرتفع صوت الإيمان من بين الأنقاض، يهمس بكلمات تبعث السكينة في القلوب المنكسرة: "ألا إن نصر الله قريب". هذا الوعد الإلهي، الذي يتردد صداه عبر القرون، يصبح البلسم الشافي لجراح غزة النازفة، واليقين الراسخ في وجه الظلم والقهر. إنه النور الذي يضيء عتمة اليأس، والقوة التي تتحدى جبروت المحتل، والثقة المطلقة في عدل السماء الذي لا يغفل ولا ينام.
إن قطاع غزة يعيش فصولًا قاسية من التهجير القسري، حيث يجبر الآلاف على ترك ديارهم بحثًا عن مأوى آمن، تاركين خلفهم ذكرياتهم وأشياءهم الثمينة، ليواجهوا مصيرًا مجهولًا في خيام النزوح أو في العراء. تتشابك قصص الفقد واللجوء، وتتداخل ملامح الحزن والضياع، لكن في كل قلب غزّي ينبض إيمان بأن هذه المحنة لن تدوم، وأن الفجر سيطل من رحم الظلام، وأن نصر الله آتٍ لا محالة. لكن في هذا الخضم يرتفع صوت الإيمان، يهمس بكلمات تبعث السكينة في القلوب المنكسرة: "ألا إن نصر الله قريب".
"ألا إن نصر الله قريب".. وفي سواد الليل يرتفع الدعاء لأهل غزة
هذه الآية الكريمة، التي تحمل في طياتها وعدًا إلهيًا لا يتخلف، هي السلوى والعزاء لأهل غزة الصابرين، الذين يواجهون قسوة الظروف ببسالة وثبات قل نظيرهما. إنهم يرون بأعينهم الدمار يطال بيوتهم وأحلامهم، ويفقدون أحبتهم وأعز ما يملكون، لكن إيمانهم بالله وقدرته يظل شامخًا كالجبال.
في كل ليلة تسدل ستارها على غزة، تتجه القلوب المؤمنة بالدعاء الخالص إلى رب العالمين. دعاء المظلوم الذي ليس بينه وبين الله حجاب، دعاء الأم الثكلى التي فقدت فلذة كبدها، ودعاء الأب الذي رأى منزله يتحول إلى ركام، ودعاء الطفل الذي فقد ابتسامته في زحام الخوف والقلق.
يرتفع الدعاء من غزة الصابرة، محملاً بدموع القهر والأمل، متجاوزًا الحواجز والجدران، ليقرع أبواب السماء. دعاء بالنصر القريب، دعاء بالفرج العاجل، دعاء بالرحمة والمغفرة للشهداء، وبالشفاء للجرحى، وبالصبر والسلوان للمفجوعين.
"ألا إن نصر الله قريب".. وفي سواد الليل يرتفع الدعاء لأهل غزة
يا رب العالمين، يا ناصر المستضعفين، يا مجيب دعوة المضطرين، إليك رفعت الأكف الضارعة من أرض الأنبياء، من أرض العزة والصمود. إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس. أنت ربنا ورب المستضعفين، أنت ولينا وناصرنا.
اللهم انصر أهل غزة نصرًا مؤزرًا، اللهم ثبت أقدامهم وقوِ عزائمهم واربط على قلوبهم. اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم سدد رميهم واخذل عدوهم. اللهم ارفع عنهم هذا البلاء وهذا الكرب، وأبدل خوفهم أمنًا وعسرهم يسرًا.
اللهم ارحم شهداءهم واشفِ جرحاهم وعافِ مبتلاهم. اللهم اجعل صبرهم واحتسابهم في ميزان حسناتهم، واجعل ما أصابهم رفعة لهم في الدنيا والآخرة.
اللهم أنت القوي العزيز، لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء. اللهم أرنا في الظالمين عجائب قدرتك، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم.
إن وعدك الحق يا الله، ونحن على يقين بأن نصرك قريب، وإن طال البلاء واشتد الكرب. فصبراً جميلاً يا أهل غزة، فجر النصر لاح محققًا بإذن الله، ودعواتنا لكم في كل سجدة وفي كل خفقة قلب.
اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم آمين.
اترك تعليقا: