"إن كان لك عند الكلب حاجة قوله يا سيدي": مقولة شعبية تتصادم مع جوهر العقيدة الإسلامية ومبادئ العزة الإنسانية
بقلم : رافت عبدهتتداول الألسن في مجتمعاتنا مقولات شعبية تنتقل من جيل إلى جيل، بعضها يحمل في طياته حكمًا وعبرًا، وبعضها الآخر قد يخالف جوهر عقيدتنا السمحة وقيمنا الأصيلة دون أن ندرك ذلك. ومن بين هذه المقولات التي تحتاج إلى وقفة تأمل ونقد، تلك العبارة التي كثيرًا ما تتردد على مسامعنا: "إن كان لك عند الكلب حاجة قوله يا سيدي".
إن هذه المقولة، وإن بدا ظاهرها يدعو إلى المرونة والتذلل لتحقيق المصلحة، إلا أنها تحمل في باطنها معاني خطيرة تتنافى بشكل صارخ مع أسس العقيدة الإسلامية، التي تقوم على التوحيد الخالص لله وحده، وعدم الخضوع والذل لأي مخلوق مهما كانت قوته أو مكانته. فكيف يمكن لمؤمن أن ينزل بنفسه إلى هذا المستوى من التذلل لغير الله، وخصوصًا لحيوان نجس كالكلب الذي ورد النهي عن اتخاذه في البيوت في أحاديث نبوية شريفة؟ إن هذا التعبير، الذي يضرب به المثل في التذلل المقيت، يرسخ لفكرة أن الغاية تبرر الوسيلة، حتى لو كانت هذه الوسيلة تنطوي على إهانة للنفس البشرية التي كرمها الله تعالى.
العزة الإنسانية في الإسلام: كرامة لا تُساوم عليها
لقد وضع الإسلام قيمًا سامية للإنسان، وجعل العزة وعلو النفس من أسمى الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم. فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: "
ولقدكرمنابنيآدموحملناهمفيالبروالبحرورزقناهممنالطيباتوفضلناهمعلىكثيرممنخلقناتفضيلا" (الإسراء: 70). هذا التكريم الإلهي يستوجب من الإنسان أن يحافظ على كرامته وعزته، وألا يريق ماء وجهه إلا لخالقه ومولاه.
يأتي هنا الحديث النبوي الشريف الذي يؤسس لهذه المبادئ العظيمة: "اطلبوا الأشياء بعزة نفس، فإن قضاءها بيد الله". هذا الحديث ليس مجرد وصية أخلاقية، بل هو توجيه نبوي عميق يضرب في أعماق العقيدة. إنه يعلمنا أن الاستعانة الحقيقية لا تكون إلا بالله، وأن التوكل عليه هو سبيل النجاح والرزق. عندما يطلب الإنسان حاجته بعزة نفس، فإنه يعكس إيمانه بأن الله هو الرازق والمعطي، وأن ما يأتي من فضله لا يتطلب التذلل للمخلوقين.
مخاطر التذلل لغير الله: انحراف عقدي وأخلاقي
إن مقولة "إن كان لك عند الكلب حاجة قوله يا سيدي" تفتح الباب أمام سلوكيات خطيرة:
الانحراف العقدي: فهي تزرع فكرة أن تحقيق المصالح يتطلب التذلل والخضوع لغير الله، وهو ما يتنافى مع مبدأ التوحيد الذي يحتم علينا أن نذل أنفسنا لله وحده.
إهدار كرامة النفس: تجعل الإنسان يرضى بإهانة نفسه والنزول بها إلى مستوى لا يليق بكرامتها التي أكرمها الله بها.
نشر ثقافة التملق والنفاق: تشجع على سلوكيات لا أخلاقية كالتملق والنفاق للحصول على المآرب، مما يفسد العلاقات الاجتماعية ويضعف الثقة بين الأفراد.
التعلق بغير الله: تجعل القلب يتعلق بالمخلوقين بدلاً من التعلق بالخالق، وتنسي أن كل ما في الكون يسير بأمره تعالى.
دعوة إلى التصحيح: استعادة قيم العزة والتوكل
في ختام هذا التقرير، ندعو الجميع إلى مراجعة مثل هذه المقولات الشعبية، وتنقيتها مما يخالف عقيدتنا وقيمنا. يجب أن نرسخ في نفوسنا و نفوس أبنائنا قيم العزة بالله، والتوكل عليه، وطلب الحاجات منه وحده. إن المسلم عزيز لا يذل نفسه إلا لخالقه، ولا يخضع إلا له، فكل خير ورزق ونصر إنما هو بيده سبحانه وتعالى.
فلنتمسك بوصية نبينا الكريم: "اطلبوا الأشياء بعزة نفس، فإن قضاءها بيد الله". ففي هذه الوصية كل الخير والفلاح، وفيها النجاة من التذلل والمهانة. هل تتفقون معي في أهمية مراجعة المقولات الشائعة التي قد تتنافى مع مبادئنا الدينية والأخلاقية؟
لباقي التفاصيل اضغط هنا :
اترك تعليقا: