عندما يموت الضمير.. نار المجتمع تأكل الأخضر واليابس!
يا لهول ما تراه العين ويستقبله السمع في زمنٍ تتآكل فيه القيم كما يتآكل الصدأ الحديد! زمنٌ ينقلب فيه الميزان، ويصبح فيه القاتل أقرب من الأخ، والناهب أشد جشعًا من الذئب. زمنٌ تُراق فيه الدماء على أعتاب الطمع، وتُغتصب فيه الحقوق باسم الجهل والتعصب. أي نارٍ أشد اشتعالًا من نار مجتمع يفقد بوصلته الأخلاقية، ويسمح لغرائزه الدنيئة بأن تودي بأقدس العلاقات الإنسانية؟
عندما يرفع الأخ يده الآثمة ليطفئ نور حياة أخيه، أي وحشية تسكن قلبه؟ أي شيطان يوسوس في أذنه ليجعله يتجاوز رباط الدم، ويتنكر لعشرة العمر ولذكريات الطفولة المشتركة؟ أي أرضٍ تنبت هذا النوع من البذور الخبيثة التي تثمر موتًا وخرابًا في أقدس الروابط؟ إنها ليست مجرد جريمة قتل، بل هي اغتيال للثقة، وذبح للأخوة، وتمزيق للنسيج الاجتماعي الذي لطالما تغنى به أجدادنا.
وإذا امتدت يد الغدر لتطال أفراد العائلة الواحدة، فابن العم الذي يفترض أن يكون سندًا وعونًا، يتحول إلى جلاد يتربص بابنة عمه، يقتلها طمعًا أو حقدًا أو لسببٍ أدنى من أن يُذكر. أي انحدارٍ هذا؟ أي قاعٍ سحيق وصل إليه مجتمع يسمح لمثل هذه الجرائم البشعة أن تقع؟ أين ذهبت قيم الشهامة والنخوة التي كانت يومًا ما عنوانًا لأبناء العشيرة الواحدة؟ أين ذهب الخوف من العار الذي يلاحق القاتل وذريته من بعده؟
والأكثر مرارةً وقسوةً، تلك القصة المتكررة التي تدمي القلوب وتكسر ظهور المستضعفين: الأخ الذي يأكل ميراث أخواته البنات. أي جورٍ هذا؟ أي ظلمٍ أعمى يقود رجلًا سويًا – يفترض فيه أن يكون حاميًا وسندًا لأخواته – إلى التدهام حقوقهن التي كفلها لهن الشرع والقانون؟ أي نفسٍ دنيئة تلك التي تستحل مالًا ليس لها فيه حق، وتستقوي على ضعف أخواتها، وتتركهن يواجهن قسوة الحياة بلا سند ولا معين؟ إنه ليس مجرد نهب للمال، بل هو كسر للقلوب، وهدم للأواصر الأسرية، وزرع لبذور الحقد والكراهية التي ستنبت مرارةً في المستقبل.
إن هذه ليست مجرد حوادث فردية معزولة، بل هي مؤشرات خطيرة تنذر بخلل عميق في منظومة القيم والأخلاق التي يقوم عليها المجتمع. عندما يصبح القتل والنهب والاستغلال أمرًا ممكنًا، بل وربما مقبولًا في بعض الدوائر المظلمة، فإننا نكون أمام حريق هائل يلتهم كل ما هو جميل ونبيل فينا.
أين دور المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية في غرس القيم النبيلة وتعزيز الأخلاق الحميدة؟ أين صوت العقلاء والحكماء في مواجهة هذا الانحدار الأخلاقي؟ أين قوة القانون في ردع المجرمين وحماية الضعفاء؟
إن السكوت على هذه الجرائم هو بمثابة الوقود الذي يزيد من اشتعال نار المجتمع. يجب أن ننتفض جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، لإنكار هذا المنكر العظيم، وللتأكيد على حرمة الدماء والأعراض والأموال. يجب أن نعيد بناء منظومة القيم من جديد، وأن نغرس في نفوس أجيالنا القادمة معاني الأخوة والتكافل والعدل والإنصاف.
إن المعركة الحقيقية ليست مع عدو خارجي فحسب، بل هي معركة داخلية ضد قوى الشر والطمع والجهل التي تهدد بتدمير نسيجنا الاجتماعي. يجب أن نستلهم من قيم ديننا الحنيف ومن تراثنا الأخلاقي العريق، وأن نكون صفًا واحدًا في وجه الظلم والانحلال.
عندما يعود الضمير ليقظ، وعندما تعود القيم لتسود، وعندما يشعر كل فرد في المجتمع بالأمان على دمه وماله وعرضه، عندها فقط سنستطيع أن نطفئ هذه النار المستعرة ونعيد بناء مجتمع قوي ومتماسك يسوده العدل والمحبة والسلام. أما السكوت والتقاعس، فهما بمثابة صب الزيت على النار، وسيؤديان حتمًا إلى احتراق الجميع بنيران مجتمع فقد روحه وقيمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق