صرخة مدوية في وجه الإهانة.. مريض التأمين ليس متسولًا!
كتب رأفت عبده
أيها القائمون على أمر الصحة في هذا الوطن! اسمحوا لي أن أصرخ بملء صوتي، أن أطلقها زلزلة تهز أركان اللا مبالاة، أن أعلنها مدوية في وجه التجاهل والتقصير:
مريض التأمين ليس مواطنًا من الدرجة الثانية! هذه حقيقة يجب أن تستقر في أذهانكم كالصخر الراسخ، وأن تُنقش على جدران مؤسساتكم الطبية بحروف من نار. لقد بلغ السيل الزبى، وتجاوز الظلم كل الحدود، وأصبح الصمت جريمة لا تغتفر في حق الإنسانية جمعاء.
كيف لنا أن نقبل، بل كيف لنا أن نصمت على مشهد مواطن يقف ذليلًا على أبواب المستشفيات، يستجدي حقه في العلاج كأنه متسول يطلب الصدقة؟ كيف لنا أن نرى الألم يعتصر وجوه المرضى، واليأس يخيم على أرواحهم، لمجرد أنهم لجأوا إلى مظلة التأمين الصحي التي يفترض أنها صمام أمانهم في وجه نوائب الدهر؟
إن هذا المريض ليس عبئًا على الدولة، بل هو شريك أصيل فيها! هو من ساهم بعرق جبينه في بناء هذا الوطن، هو من اقتطع من قوت يومه ليضع لبنة في صندوق التأمين، منتظرًا أن يجني ثمار مساهمته في ساعة العسرة.
فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وأين هي الآدمية والكرامة التي يجب أن تصاحب حقه في العلاج؟
أين الخلل؟ لسنا فقراء موارد.. بل أفقرنا الإهمال!
لا يزايد علينا أحد بأننا دولة فقيرة لا تملك الإمكانيات.
لدينا أطباء أكفاء يشهد لهم القاصي والداني بالعلم والمهارة.
لدينا موارد مالية يمكن، بل يجب، أن تُدار بكفاءة وشفافية لخدمة هذا القطاع الحيوي.
ولكن ما نفتقده حقًا هو منظومة رقابية صارمة لا تعرف التهاون، ومحاسبة جدية لكل مقصر ومتخاذل، والأهم من كل ذلك، النية الصادقة للإصلاح الجذري لهذا الوضع المزري.
إن التقارير تتحدث عن سوء إدارة، وعن إهدار للموارد، وعن فساد يستشري في بعض جوانب المنظومة. تتحدث عن قوائم انتظار تطول وتطول حتى يبلغ المريض مرحلة اللا علاج. تتحدث عن نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية. تتحدث عن تعامل فظ وغير إنساني يواجهه المرضى في بعض المرافق الصحية.
جرس الإنذار يدق.. الصمت مشاركة في الجريمة!
آن الأوان أن نُطلق جميعًا، مرضى وأطباء وإعلاميين ومواطنين غيورين، جرس إنذار مدوي يهز الضمائر النائمة ويوقظ المسؤولين من سباتهم العميق. لم يعد مقبولًا أن نرى الكرامة تُهان باسم توفير النفقات. لم يعد جائزًا أن يُترك المريض يصارع الألم والمرض وحده لأنه "مريض تأمين".
إن السكوت على هذا الوضع ليس إلا مشاركة صامتة في جريمة تُرتكب كل يوم في حق إنسانيتنا، في حق مواطنينا، في حق هذا الوطن الذي يستحق منا الكثير. إنها جريمة تقوض الثقة في مؤسسات الدولة، وتزرع بذور اليأس والإحباط في نفوس المواطنين.
صرخة إلى الضمائر الحية:
أتوجه بندائي هذا إلى كل صاحب ضمير حي، إلى كل من يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية والوطنية. قفوا معنا في وجه هذا الظلم! طالبوا بحق مرضاكم في علاج كريم يحفظ لهم صحتهم وكرامتهم. افضحوا التقصير والإهمال والفساد. كونوا صوتًا للذين لا يستطيعون أن يرفعوا أصواتهم.
إن معركة الدفاع عن حق المريض في العلاج هي معركة من أجل كرامة الإنسان، من أجل عدالة المجتمع، من أجل مستقبل هذا الوطن الذي لن ينهض إلا بصحة وعافية أبنائه. فلنجعلها صرخة مدوية لا تُسكت، وثورة حق لا تهدأ، حتى يتحقق العدل، وتُصان الكرامة، ويعود لمريض التأمين حقه كاملًا غير منقوص.
*ختامًا نداء إلى قمة المسؤولية.. فلتنتصر الإنسانية يا سيادة الرئيس!
في ختام هذا التقرير ، الذي لم يكن هدفه التجريح أو التشويه، بل كان صرخة ألم وغضب على وضع لا يليق بمصر ولا بأبنائها، نتوجه بنداء مباشر إلى فخامة رئيس الجمهورية، الأب والقائد والأمل. لقد أولاكم الشعب ثقته، وناط بكم مسؤولية عظيمة، وعلى رأسها رعاية مصالح المواطنين وضمان كرامتهم الإنسانية.
إن قطاع الصحة، يا سيادة الرئيس، هو نبض الوطن وشريان الحياة.
ولا يمكن لأي أمة أن تنهض وتزدهر وأبناؤها يعانون من وطأة المرض الإهمال.
إن ما رصدناه من معاناة لمرضى التأمين الصحي ليس مجرد حالات فردية، بل هو مؤشر خطير يستدعي تدخلًا عاجلًا وحاسمًا من قِبلكم.
إننا على ثقة تامة بوطنيتكم وحرصكم على مصلحة كل مواطن مصري. ونعلم يقينًا أنكم لن تقبلوا أبدًا بأن يُعامل أي فرد على أرض هذا الوطن، خاصةً في لحظات ضعفه ومرضه، بتلك الصورة المهينة التي وصفناها.
لذلك، نرفع إلى سيادتكم توصية ملحة، نابعة من قلب محب لهذا الوطن وخائف على مستقبل أبنائه:
إطلاق مبادرة رئاسية شاملة وعاجلة لتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة لجميع المواطنين، وعلى رأسهم مرضى التأمين الصحي.**
هذه المبادرة يجب أن تتضمن:
* تفعيل آليات رقابية صارمة ومحاسبة فورية لكل مقصر أو متهاون في أداء واجبه تجاه المرضى.
*ضخ استثمارات عاجلة لرفع كفاءة المستشفيات والمراكز الصحية التابعة للتأمين، وتزويدها بالأجهزة والمستلزمات الطبية الحديثة.
*مراجعة شاملة لقوائم الانتظار وإيجاد حلول جذرية لتقليصها وضمان حصول المرضى على العلاج في الوقت المناسب.
* توفير الأدوية الأساسية بكميات كافية وضمان وصولها إلى مستحقيها دون تأخير أو معاناة.
* تطوير آليات التواصل بين المرضى وإدارة التأمين الصحي والمستشفيات لتلقي الشكاوى والعمل على حلها بشكل فعال وسريع.
* الاستماع إلى أصوات المرضى والأطباء والعاملين في القطاع الصحي والاستفادة من آرائهم ومقترحاتهم في عملية الإصلاح.
*تعزيز الشفافية والإفصاح عن آليات عمل منظومة التأمين الصحي وحقوق المرضى وواجباتهم.
يا سيادة الرئيس، إن الاستثمار في صحة المواطن هو استثمار في مستقبل مصر. وإن تحقيق العدالة الصحية هو صمام أمان لوحدتنا الوطنية وتماسكنا الاجتماعي. إن كرامة المريض هي كرامة الوطن.
نحن على يقين بأن قيادتكم الحكيمة ستولي هذا الملف الحيوي الأهمية القصوى التي يستحقها.
ونأمل أن نرى خطوات عملية ملموسة تعيد الأمل إلى قلوب المرضى وتمسح دموعهم، وتؤكد لهم أنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، بل هم شركاء حقيقيون في هذا الوطن الذي يستحق منهم كل التضحيات، ويجب أن يقدم لهم أفضل ما لديه في المقابل.
فلتنتصر الإنسانية يا سيادة الرئيس، ولتحفظوا لمصر عزتها وكرامة أبنائها. التاريخ سيذكر لكم هذه اللحظة الفارقة، والشعب سيقدر لكم هذا العمل العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق