الصفحات

هل أصبح المال السياسي هو "صانع النواب" في مصر؟

 هل أصبح المال السياسي هو "صانع النواب" في مصر؟ 

رافت عبده


 بقلم : رافت عبده 

هذا المشهد السياسي المعقد يسلط الاعلامي رافت  عبده الضوء في تحليلاته المستنيرة على القوى الخفية التي قد تعبث بنتائج الاقتراع وتوجه بوصلة الناخبين نحو مرشحين بعينهم، وغالباً ما يكون "المال السياسي" هو اللاعب الأبرز في هذه المعادلة المشبوهة.

إن تأثير المال السياسي في الانتخابات البرلمانية ليس مجرد همس في الكواليس، بل هو واقع ملموس يهدد بتقويض أسس الديمقراطية الحقة. فمنذ اللحظات الأولى التي يترشح فيها أحدهم لعضوية البرلمان، تبدأ رحلة البحث عن التمويل اللازم لخوض هذه المعركة الشرسة. تتعدد مصادر هذا التمويل، بدءاً من التبرعات الشخصية من المؤيدين والأفراد، مروراً بدعم الأحزاب السياسية الذي غالباً ما يكون مشروطاً بولاءات محددة، ووصولاً إلى التمويل الخفي وغير المشروع الذي يأتي من رجال الأعمال النافذين أو حتى من جهات خارجية تسعى لتحقيق مصالح خاصة عبر دعم مرشحين موالين لها.

شبكات معقدة من الولاءات والمصالح:

سرعان ما يتحول هذا التمويل إلى أدوات قوية للتأثير في الناخبين. تتجلى هذه الأدوات في صور شتى، بدءاً من الحملات الإعلانية الضخمة التي تغرق وسائل الإعلام المختلفة بصور المرشحين وشعاراتهم البراقة، مروراً بتنظيم الفعاليات الحاشدة والمؤتمرات الجماهيرية التي تستعرض قوة المرشح وقدرته على الحشد، ووصولاً إلى أساليب أكثر دهاءً وتخفياً، مثل تقديم الهدايا والمساعدات المادية المباشرة للناخبين المحتاجين، أو حتى استغلال النفوذ والسلطة لتقديم وعود كاذبة بتحسين الأوضاع المعيشية أو توفير فرص العمل.

إن هذه الممارسات، وإن بدت في ظاهرها كنوع من الدعم أو المساعدة، تحمل في طياتها سمّاً زعافاً يقوض حرية اختيار الناخب ويحوله إلى أسير للمال. فالناخب الذي يحصل على منفعة مادية أو وعد بتحقيق مصلحة شخصية يصبح مدفوعاً للتصويت للمرشح الذي قدم له هذه "الهدية"، بغض النظر عن قناعاته الحقيقية أو برنامجه الانتخابي.

تأثير المال السياسي على العملية الانتخابية:

لا يقتصر تأثير المال السياسي على مرحلة الدعاية الانتخابية فحسب، بل يمتد ليطال مراحل أخرى حاسمة في العملية الانتخابية. ففي يوم الاقتراع، قد يلجأ البعض إلى شراء الأصوات بشكل مباشر أو غير مباشر، مستغلين حاجة بعض الناخبين أو جهلهم بأهمية صوتهم. وبعد إعلان النتائج، قد يلعب المال دوراً في الطعون الانتخابية ومحاولات قلب النتائج لصالح المرشحين المدعومين مالياً.

إن خطورة المال السياسي تكمن في قدرته على تشويه صورة الديمقراطية وتحويلها إلى ساحة للمنافسة غير المتكافئة، حيث يتم إقصاء المرشحين الأكفاء والمستقلين الذين لا يملكون القدرة على ضخ الأموال الطائلة في حملاتهم الانتخابية. ونتيجة لذلك، قد يصل إلى البرلمان أشخاص لا يمثلون تطلعات الشعب الحقيقية، بل يمثلون مصالح الجهات التي مولت حملاتهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ضعف الرقابة على السلطة التنفيذية وتكريس الفساد وسوء إدارة الموارد.

جهود مكافحة المال السياسي:

على الرغم من هذه التحديات، لا تزال هناك جهود مبذولة لمكافحة تأثير المال السياسي في الانتخابات البرلمانية. تتضمن هذه الجهود وضع قوانين صارمة لتنظيم تمويل الحملات الانتخابية وكشف مصادر التمويل، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية في تتبع الأموال المشبوهة، وتعزيز وعي الناخبين بأهمية صوتهم وخطورة الانسياق وراء المغريات المادية.

وفي هذا السياق، يبرز الدور الهام للإعلام المستقل والصحافة الاستقصائية، التي تسعى لكشف خبايا التمويل السياسي وتسليط الضوء على الممارسات غير المشروعة. ولا شك أن متابعة الإعلامي رأفت عبده وتحليلاته المتعمقة تمثل إضافة قيمة لهذه الجهود، حيث يساعد في تنوير الرأي العام وكشف الحقائق المخفية وراء ستار المال السياسي.

نحو انتخابات أكثر نزاهة:

إن ضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من حكومة وأحزاب سياسية ومؤسسات رقابية ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام. يجب أن يكون الهدف الأسمى هو إتاحة الفرصة لجميع المواطنين للتعبير عن إرادتهم الحرة دون أي تأثير غير مشروع، بما في ذلك تأثير المال السياسي.

في الختام، يبقى السؤال قائماً: هل ستنجح الجهود المبذولة في الحد من تأثير المال السياسي في الانتخابات البرلمانية القادمة؟ وهل سيتمكن الناخب المصري من الإدلاء بصوته بحرية ووعي تامين؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستكشفها الأيام القادمة، وستظل عيون الإعلامي رأفت عبده تراقب المشهد عن كثب، محللاً ومستنبطاً، ساعياً لكشف الحقائق وتقديمها للجمهور بكل شفافية وموضوعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق